قيل من قبل
"لولا وجود روح القطيع في الإنسان لما قامت أي ثورة كبيرة"
وحقيقة إن نظرية القطيع التي ابتكرها
عالم الأحياء- هاملتون- هي من أكثر النظريات الفلسفية والعلمية ملامسةً لواقع
مجتمعاتنا اليوم ذلك بأن هذه النظرية استندت على طرفي معادلة ما بين الراعي
والرعية والقائد والجمهور في مختلف المستويات والشؤون.
أطلق العرب من البدو قديماً اسم " المرياع " على قائد قطيع الغنم ،فما هو هذا المرياع؟
المرياع : هو كبش من الغنم يُعزل عن
أمه يوم ولادته ويٌسقى حليبها دون أن تكتحل عينيه برؤيتها ويوضع مع أنثى الحمار
ليرضع منها حتى يعتقد أنها أمه ، وبعد أن يكبر يٌخصى ولا يُجز صوفه للهيبة، والمرياع
محبوب من كافة أفراد القطيع ودائما ما يسيرون خلفه
أما في واقعنا اليوم كم من مرياع نرى؟! فما يلبث
أن يبرع شخص في مجال ما كالسياسة أوالفكر وغيرها حتى يبادر مجموعة من الجهلة بوضع
هالة من القدسية حوله تجعل نقده بقول أو بفعل من كبائر الإثم وتدفع مؤيديه إلى حرب
شرسة باللسان والقلم على أقل تقدير.
هذا الوعي القطيعي هو مرض بحد ذاته ،يحتاج علاجاً واقعياً بعيداً عن التعصب لأن أول أعراض الإصابة به هو الجهل والعيش في بوتقة التبعية العمياء وجمود الفكر وأعتقد أنه من الأسباب الداخلية التي أدت إلى التخلّف عن ركب الحضارة فما لا يتم نقده كيف له أن يتطور؟! وهذا ما لايستحب سماعه مؤيدي نظرية المؤامرة الذين يُرجؤون التخلف هذا دائما لأسباب خارجية وأن كل ما يحدث لنا مُخطط له من قبل أعدائنا وقد تكالبت علينا الامم و و .. ويريحهم دائما دور المظلوم لأن هذا الدور يجعلهم أقل ألما –ولو بشكل مؤقت - و يغيب عنهم أننا اول المتآمرين على أمتنا إن لم نتخلى عن عصبيتنا وتقديسنا للأشخاص ولاسيما القيادات منهم.
لابد أن نترفع عن عالم الأشحاص ونرتقي لعالم الافكار ونعي أن نقد فكرة لشخصية ما مهما علا شأنه بين الناس لا يعني التجريح به ولاينفي بالضرورة ماصلُح من أفكار أخرى لديه إن وُجدت.
وعليه فكثير من مكونات مجتمعنا اليوم
نراها قد سلّمت أمرها وإرادتهها لشخص واحد يفعل بها ما يشاء وعلى رأسها المؤسسات
الدينية ومؤسسات المجتمع المدني والعديد من الكتل السياسية وغيرها ، نعم شخص واحد
يأمر فلا يُعصى ويوجّه فلا يُنتقد وقد يعترض وينتقد هو ويوقف أي من المشاريع
بدعوى" لا أريكم إلا ما أرى والأقصى من ذلك هو انتشار العدوى لهذا المرض
بيننا أكثر،فبتنا نرى شبابنا اليوم ما إن ينضموا إلى واحدة من هذا التجمعاتحتى
يدخلون في حالة التبعية والإنصياع الأعمى فقد باتوا الحلقة الأضعف في المجتمع .
قد يخطر على بالك أحدنا أن هذا الكلام ينفي أهمية وجود قيادة ! وليس هذا القصد طبعاً، فالقيادة مهمة وهذا علم بحد ذاته لكننا أسئنا تطبيقها عندما سمحنا لان يقودنا الأشخاص وابتعدنا عن المبادئ ، نعم التبعية يجب أن تكون لما تحمله من مبادئ وقيم وثباتك عليها ،عندها سنُحسن اختيار قادتنا بالتعرف على منظومة القيم والمبادئ التي يحملها هذا القاىد ( وهنا القائد قد يكون فرد وقد يتمثل في مؤسسة ما)
"المبادئ ليست شيئاً ميتاً يسكن في بطون الكتب ، ولكنها شيء حي يسكن في كيانك دون أن تدري"
لكن لماذا يجب ان تقودنا المبادئ؟
مع غياب المبادئ والقيم لن نختلف في
حياتنا عن حياة ذاك القطيع فمن يفهم الحياة يعلم الفرق بين من يعيش لياكل ويتكاثر
،ومن يحيا ليكون له أثر مذكور، فبالمبادئ والقيم نحيا وبالخبز نعيش. فقد أختلف أنا
وأنت في خصوص المبادئ والقيم لكن عموماً لابد
من معاني وأهداف سامية مشتركة نتفق عليها وتحملها هذه المنظومة أقلها يكون
:
- أن تتناسب مع التكوين الخلقي للإنسان السليم
- وأن تجمع بين القيم المادية والروحية
- وأهمها أن توفر لمن
يتمسك بها السعادة في جوانب الحياة كله بالضرورة.
عندما نحمّل المسؤولية المجتمعية
لأشخاص دون مراعاة منظومة القيم لديهم ومدى ملائمتها مع توجه المجتمع واحتياجاته
سيكون هذا مريح لنا وأقل ألماً عندما يخطئ هذا القائد أو هذا الحزب فبالنسبة لنا
هو المسؤول عن كل مايحدث ،فمن السهل اتهام الآخر دائما بالتقصير ورمي الحمل على من
وليناهم أمرنا دون أدنى مسؤولية.وهذا ماتشهده الصفحات الزرقاء اليوم مع الأسف!!
هنا تكمن دائرة الراحة عند أصحاب الوعي القطيعي وفعلاً قد تُخفّف من آلامهم ولكن
في نفس الوقت لن تتحقق سعادتهم ونزداد بعدا عما نرنوا إليه. وندور بين اللوم
والشكوى ونطرح بعد ذلك سؤالنا التاريخي : لماذا لم نحقق النصر حتى الآن؟!!!
اخوتي أحبتي قد يظهر في طيات هذه المقالة شيئ من الحدة في الطرح – وهذا من الألم على الواقع - لكن ماقصدته هو دعوة لمواجه مشاكلنا بحق والتخلي عن اللوم والشكوى،دعوة لضبط حركتنا بمنظومة مبادئ وأفكار راقية بعيدة عن عصبية الجاهلية و لتكون مبادئنا مستمرة مع الزمن بين الأجيال لا بد أن ترتبط بقيم عليا تصب في مصلحة الكل وبذلك يكون أثرها التراكمي كفيل بأن يغير النتاىج ويقلب الموازين لصالحنا بوجود قليل من الثبات والصبر.فالمبادئ الثابتة تولّد سلوكاً واضحاً، والسلوك الواضح يولد بالضرورة شخصية محددة المعالم .
-
مقال رائع ..توصيف جميل للموضوع ولكن اعتقد انه يمكن ان تتوسع فيه مع شرح بعض الامثلة للفائدة
ردحذفشكرا جزيلاً ...أكيد الموضوع أكبر من أن نختصره بمقال ..سأحاول إدراج مقالات أخرى عن الفكرة لإغناءها أكثر
حذف